الاثنين، 11 مايو 2009

Soba

سوبا : نبذة تعريفية
السير لورانس كيروان
ترجمة د. أسامة عبدالرحمن النور
مقدمة كتبها لورانس كيروان لكتاب ويلسبي ودانيلز "سوبا : البحث الآثاري في عاصمة قروسطية على النيل الأزرق".




ألقت أعمال التنقيب الآثاري، التى نفذتها بعثة المعهد البريطاني في شرق أفريقيا في سوبا شرق على النيل الأزرق الى الجنوب من الخرطوم، ضوءاً جديداً على انتشار المسيحية المبكرة جنوباً في أفريقيا وعلى مملكة علوة المعروف عنها النذر اليسير والتى كانت سوبا حاضرة لها. كانت علوة معروفة لدى شعوب الشرق الأدنى المتحدثون بالإغريقية باسم علوديا، وكانت تلك المملكة الأقصى جنوباً من بين ممالك النوبة التى قامت في وادي النيل الى الجنوب من مصر في نهاية القرن الميلادي الرابع. مع حدود لها شمالية بين الجندل الخامس وبربر امتدت علوة جنوباً الى قلب الجزيرة بين النيلين الأزرق والأبيض. حدتها من الشرق مملكة أكسوم ونهر عطبرة. الى الشمال كانت هناك مملكة المقرة، وأبعد الى الشمال، بين الجندل الثالث ومصر، مملكة نوباديا المعروفة للكتاب العرب القروسطيين بـ النوبة.

تلك الممالك الثلاث تم تحويلها للمسيحية في القرن السادس، تحويل نوباديا وعلوة عن طريق مبشرين من المعتقدين بمذهب وحدانية طبيعة المسيح قادمين من القسطنطينية. كانت دوافع مثل تلك البعثات التبشيرية، في عهد جوستنيان الذى أصبحت فيه المشاريع التبشيرية أداة قوية للدبلوماسية والاستراتيجية، ليست ثيولوجية محضة فحسب؛ فبما أن المسيحية والإمبراطورية أصبحتا غير منفصلتين فقد عنى التحول الى المسيحية رمزاً للتحالف مع الإمبراطورية. احتاج جوستنيان وخلفاؤه الى حلفاء من النوبيين لتفادي غزو فارسي محتمل لمصر من الجنوب، عن طريق مملكة أكسوم أو عبر الصحراء الى الشمال باتجاه طريق القوافل الذى يربط شمال علوة بمصر متجنباً تعرجات النيل وجنادله. كان النوبيون، بما في ذلك النوباديين الذين كانوا قد أصبحوا حلفاء لروما، مناضلين غير مأموني الجانب. هاجموا المناطق المصرية في الماضي وقد يقفون الى جانب الغزاة. كان لا بدَّ من ادخالهم ضمن الإمبراطورية.

عندما بدأت بعثة المعهد عملها في سوبا في 1980 كانت علوة القروسطية غير مستكشفة نسبياً. في الشمال، كشفت أعمال البعثة البولندية أثناء حملة السد العالي لإنقاذ آثار النوبة المهددة بالغرق عن كثدرائية مدفونة في فرس، عاصمة نوباديا، مع العديد من رسوم الملوك والأساقفة النوبيين، بالإضافة الى كم كبير من النقوش. أدى ذلك الكشف الى تحول في الدراسات النوبية المسيحية. فيما بعد كانت هناك تنقيبات البعثة البولندية في دنقلا العجوز، عاصمة المقرة. لازالت أعمال التنقيب هذه جارية اليوم. في ذلك الوقت كانت أعمال التنقيب المنتظمة الوحيدة التى أجريت هى التى نفذها بيتر ومارجريت شينى في خمسينات القرن المنصرم نيابة عن حكومة السودان. بالتركيز على الكوم B أزالا التراب عن أطلال قصر ملكي محتمل. كان هذا الكشف هو الذى شجع المعهد البريطاني على التقديم لتصديق للعمل في المنطقة نفسها في قلب المدينة والتى لها تاريخ طويل يمتد الى الأزمان المرَّوية.

كانت منطقة علوة الى الجنوب من الجندل الخامس جد مختلفة، جغرافياً وثقافياً، عن المملكتين الشماليتين. فالأخيرتين تقعان في إقليم جاف له ارتباطات تقليدية ممتدة مع مصر أسطورة ذلك الزمان، منتصف الألفية الثانية ق.م.، عندما مد فراعنتها حدودهم الجنوبية الى ما وراء الجندل الرابع. في حين أن علوة، خلافاً لذلك، تقع بكاملها تقريباً في إقليم مطير لم يكن مطلقاً عرضة للغزو المصري (إلا في عهد محمد على - المترجم). رغم التأثير والتدخل المصري، ظلت ثقافة مروي الى الجنوب من الجندل الخامس أفريقية في الأساس وكانت لـ مروي لغتها المكتوبة الأفريقية الخاصة. بعد إجلاء الرومان من النوبةبنهاية القرن الميلادي الثالث وانهيار مملكة مروي النيلية بعد نصف قرن تلى، ظلت علوة، كما أصبحت تسمى، معزلة عن الشمال لما يزيد عن القرنين، كما تدلل أركيولوجية ما بعد مروي في المنطقة. أصبحت أكسوم القوة السائدة في هذا القطاع من شمال شرق أفريقيا. إن ثقافة ما بعد مروي كانت ذات طابع أفريقي واضح متميز وغريبة عن النوبة الشمالية. عندما وصل لونجينوس، الأسقف الأول للنوبة، الى علوة في عام 580، فقد دخل هو وبعثته التبشيرية مملكة أفريقية. لا بدَّ أنها كانت جد مختلفة عن نوباديا المتمصرة حيث بقيّ ست سنوات قضاها في تأسيس الكنيسة النوبية.

كما حدث بالنسبة لبعثة القرن التاسع عشر الى أفريقيا، فقد فتحت البعثة الى علوة الطريق للتبادل الثقافي والتجاري مع الإمبراطورية، في هذه الحالة مع مصر البيزنطية. التأثير البيزنطي الذى يبدو جلياً في النوبة السفلى يمكن رؤيته في الخريطة الباسيليقية لكنيستي سوبا A and B - كل واحدة منها أكبر من حيث المساحة من كثدرائية فرس المدفونة - وفي الاستخدام المستمر للإغريقية الى وقت متأخر في القرن الحادي عشر في النقش الجنائزي لملك علوة داؤود. لقد وجد هذا النقش بعد إعادة استخدامه في المبنى D.

القليل معروف عن علوة أو سوبا وتجارتها خلال القرنين السابع والثامن. لا بدَّ أن تلك كانت فترة انتقال في التبادل الثقافي، عندما انتشرت المسيحية من العاصمة الى الأرياف. لكن لا يمكن رسم خط فاصل بين الوثنية والمسيحية في وادي النيل النوبي. حتى في نوباديا المجاورة لمصر كانت هناك معابد وثنية لم تحول بعد الى استخدامها كنائس حتى وقت متأخرر من القرن الثامن، تقريباً بعد مرور قرن على تعيين الأسق النوبي الأول في فرس. بدءاً من القرن التاسع، على كل، بالإضافة الى الاكتشافات الآثارية المحققة في سوبا، نمتلك وصف الكتاب المسلمين زار واحد أو اثنين منهم بلا شك سوبا. في تلك الفترة كانت سوبا قد أضحت مدينة مهمة في نظر المصريين وزارها في الغالب العديد من التجار. بحلول أواخر القرن العاشر وجد في سوبا حي إسلامي. لازال هناك هناك في الغالب على الأقل مسجد مبكر واحد ينتظر الكشف عنه في الموقع.

أصبحت علوة بنهاية القرن العاشر أشد قوة وبأساص من جارتها الشمالية، المقرة، عسكرياً واقتصادياً. كان الذهب هو منتوج علوة الأساسي من الترسبات بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية الحالية. لا بدَّ وأن تلك الترسبات كانت هائلة حيث أنها كانت الهدف الرئيس لحملة محمد على التركية - المصرية على السودان في 1820 - 1821. كان لـ علوة ميزة اقتصادية مقارنة بجارتيها الشماليتين. طالما أن جيشاً عربياً غامر بالتغلغل الى الإقليم الممطر، فإنها قد تفادت أعباء الجزية السنوية، بما في ذلك الرقيق، والتى فرضتها مصر الإسلامية على الشمال وفق شروط اتفاقية البقط مع دنقلا العجوز 650/ 51.

الفترة من القرن التاسع وما بعدها حتى القرن الثاني عشر كانت فيما يبدو مرحلة العصر الذهبي لـ علوة وتحديداً لهذه الفترة ترجع الاكتشافات المحققة في الموقع، بما في ذلك الكثدرائيتين. طبقاً للتواريخ الراديوكاربونية فإنهما كانتا مستخدمتان في وقت متزامن : تقدمة لثراء سوبا ولكثافة سكانها.

قمت بزيارة أعمال التنقيب عدة مرات عندما كنت متولياً منصب رئيس المعهد واستمتعت بكرم ضيافة السيد حسن الكردي وعمدة سوبا وقروييها. كانوا جد فخورين بشهرة سوبا بوصفها عاصمة لمملكة علوة. يبدو أن أسطورة سوبا لازالت عالقة في كل المدن والقرى على امتداد النيل الأزرق في السودان.
منقول بواسطة: محمد عبد السلام المهدي
سوبا شرق السلمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق